كوب من القهوة الرخيصة


صاح المنبه باعلى صوته: استيقط انها الثامنة ،، ياله صباح كسول من ايام الشتاء الباردة، اين العدالة في ان تكون الشمس نائمة تحت غطاء الغيوم ويتوجب علي انا النهوض باكرا،، استدرك الامر سريعا ,وانا افتح عيني، وما شأن العدالة انها حرية الاختيار،، تبا لمن عبثوا في تلك المفاهيم!! اردد بصمت: حسنا حسنا، زيارة صديق في الغربة امر يستحق الاستيقاظ باكرا من اجله.. ثلاث ارباع الساعة وينطلق القطار، مرت كالبرق لاجد نفسي جالسا على متن القطار المتوجه الى احد عواصم التاريخ (ادنبرة)....تمر الدقائق الاولى قلقة كعادتها حتى التوقف في المحطة الاولى لأقفز الى المقعد الاخر المجاور للنافذة. كوب من القهوة يبدو مناسبا لقراءة حجيج غرباء فثلاث ساعات ليست بالوقت القصير للوصول الى مكان ما.. تسرقني الوان الطبيعة من خلف الاطار الزجاجي، الاخضر لاينتهي الا في احضان الافق الداكن لكن ذلك لم يمنع الشمس من الاطمئنان علينا بين الفينة والاخرى. رائحة القهوة ازكى واجمل من مذاقها الرخيص و قصص ماركيز تتطلب مجهود ذهني لا يجاريه دماغي النصف نائم، ما بين هذا وذاك ينساب الوقت ويقلل سائق القطار من سرعته للتوقف في محطة عابرة كما نحن دائما
..
جلوس شقراء على المقعد المقابل لم يمنعني من تكرار حالة التأمل والشرود في ملكوت الله الذي لم في حقيقته الا الجزء الثاني من احلام الوسادة الخالية والفراش الوثير. لم يقطع المشهد سوى سقوط حقيبتها على قدمي لتبادر بالاعتذار مصحوبا بابتسامة فتية تصغرها بربع قرن، وسرعان ما ابادلها بابتسامتي المبطنة بـ..آه لو.....!! يغلف السكون العربة من جديد الا من ازيز السكة الحديدية وتصفح العالم بين يدي الراكب في الجانب الاخر. الحال بطبيعته يدفعني الى ان اتسائل ان كان باستطاعة احد ما ان يوقف عقله عن التفكير بكبسة زر او اكثر..ولماذا لا نستطيع ذلك، ام انني وحدي لا استطيع..لا اعلم، ولكني حتما قابلت اناسا لا يجيدون التفكير لعمل شيئ واحد مفيد، او باختصار اكثر وضوحا، هم يؤمنون بان العقل هو الاختلاف الاول او ربما الاوحد بين الانسان والحيوان!ء

..
ما اجمل هذا الهدوء،، كثيرا ما يستغرب الاخرين او يلومني بعض المقربين على صمتي الطويل، في احيان كثيرة يكون الصمت بحد ذاته ابلغ الاجابات على اسئلة كهذه. لو علموا بما خلف الصمت لشاهدوا العالم الحقيقي واكتشفوا احد اسرار المدرسة الام وكيف يكون الصمت الوسيلة المثلى لادراك الاشياء او كما يقال بان الحياة مسرح فان اللحظات التي تلتزم فيها الصمت تجعلك في مقاعد المتفرجين لهذه المسرحية. وحتى لو كنت مخطئا في كل حساباتي فان هذا الصمت على الاقل وفي اسوأ الاحوال يضعني في منطقة محايدة بين الابيض والاسود. كلما قررت المحاولة عن التفكير فكرت في شيئ اخر حتى وصل القطار الى المحطة الاخيرة و الصفحة الثالثة بين يدي مازالت في بدايتها... حملت حقيبتي لاغادر المحطة وفي داخلي المزيد من لاشئ محدد،وعند بوابة الخروج اخترقت دفئ صمتي اول النسمات الباردة في مدينة الجمود لتعيدني الى الواقع: انها مجرد 3 ساعات اخرى ضائعة على مايبدو...انا على قيد الحياة........تاكسي!!ء
_____________________________________________________________
مقتل القمر لأمل دنقل
......
ء
....وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس

في كل مدينة ،

(( قُتِل القمـــر ))!

شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !

نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!

تركوه في الأعواد ،

كالأسطورة السوداء في عيني ضرير

ويقول جاري :

-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))

وتقول جارتنا الصبية :

- (( كان يعجبه غنائي في المساء

وكان يهديني قوارير العطور

فبأي ذنب يقتلونه ؟

هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))

..... ........ .......

وتدلت الدمعات من كل العيون

كأنها الأيتام – أطفال القمر

وترحموا...

وتفرقوا.....

فكما يموت الناس.....مات !

وجلست ،

أسأله عن الأيدي التي غدرت به

لكنه لم يستمع لي ،

..... كان مات !

****

دثرته بعباءته

وسحبت جفنيه على عينيه...

حتى لايرى من فارقوه!

وخرجت من باب المدينة

للريف:

يا أبناء قريتنا أبوكم مات

قد قتلته أبناء المدينة

ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف

وتفرَّقوا

تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة

يا أخوتي : هذا أبوكم مات !

- ماذا ؟ لا.......أبونا لا يموت

- بالأمس طول الليل كان هنا

- يقص لنا حكايته الحزينة !

- يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته

أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !

قالوا : كفاك ، اصمت

فإنك لست تدري ما تقول !

قلت : الحقيقة ما أقول

قالوا : انتظر

لم تبق إلا بضع ساعات...

ويأتي!

***

حط المساء

وأطل من فوقي القمر

متألق البسمات ، ماسيّ النظر

- يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا

فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟

قالوا: غريب

ظنه الناس القمر

قتلوه ، ثم بكوا عليه

ورددوا (( قُتِل القمر ))

لكن أبونا لا يموت

أبداً أبونا لايموت !

4 comments:

esTeKaNa said...

رغم انه ليس الا كوب من قهوة رخيصة
إلا أني شممت بن تلك القهوة من بين هذه الكلمات
!!
غريب ان نقارن نفسنا بالشمس بنومها
ومنطقي جدا..أن نعترف انها تلك حرية الاختيار التي تدفعنا لأن نستيقظ
نتحرك
نقرر
ونرحل من مدينة الى مدينة ومن محطة الى أخرى
فالحياة ايضا كالقطار،نجلس على احد مقاعدها وننتقل من محطة الى محطة
فإن كنا نملك حرية الاختيار فقل لي يا اخي العزيز لما لا نملك حرية التفكير وايقافه بضغطة زر؟
:))
ختاما:
أهنئك على الصمت،فالهادئين الصامتين غالبا هم اكثر الناس فهما لأنفسهم
وباعتقادي :
فهم الناس هو السبيل للعيش بحياة اجمل دائما

بوست رائع
نقل لنا نسمات بارده و رائحة قهوة لذيذه
الله يحفظك اينما كنت
:)

الزين said...

لفت نظري العنوان

له ابعاد كثيره
برأيي القهوة الرخيصه مثل المرأة الرخيصه
نتجرعه
ثم نضعه جانبا
مستنكرين نكهته البعيده كل البعد عن نكهة القهوة الحقيقية


جميل ما كتبته عن الصمت
وبما اني من الناس اللي يميلون للصمت كثيرا
ويبحثون عن الهدوء ابدا
فلقت ملكني ما قرأت
اعشق التأمل في كل شيء
والبحث عن اجوبة للأسئلة المتوارية خلف تفاصيل الأشياء المحيطه بي


انت من الناس اللي اقرا لهم باستمتاع تام

شكرا لك احمد
لأنك بكل هذا العمق الجميل

Fankooshy said...

استكانة
قد نتمكن من فعل اكثر الاشياء صعوبة ونعجز عن امور لخرى لاننا ببساطة لانستطيع ذلك او انها غير ممكنة على الاطلاق...يكمن السر في تصنيف الاشياء بين الممكن والمستحيل وكيف ولماذا نتوصل الى تلك النتيجة هو احد اسرار الانسان

شكرا لمرورك الجميل وكلماتك الاجمل
اسعدني ذلك كثيرا :)

Fankooshy said...

الزين
جميل ذكرك لاحد الابعاد الحقيقية للعنوان،،اذا جميل ان نعرف ان هناك احد يفكر ولا يقرأ فقط
:)
....
بالفعل الصمت لايكون الا للسان اما هو فانصات للكون من حولنا بكل ما فيه وحديث العقل والروح..الصمت عالم خاص جدا جدا قد يجهله الكثيرين ولا يملكه البعض..فلنستمتع به ونتعلم منه
...
انا من يستمتع حين تقراين خزعبلاتي وتبدين فيها رايك...شكرا لك

Blog Archive

Followers

Love and Peace

Love and Peace

choose your way

choose your way

Kuwait first

Kuwait first

Mowash7at

My Blog List