للحقيقة أبعاد أخرى



لم يكن اليوم سعيدا بالنسبة له مثل جميع الايام في السنوات الاخيرة دون اي سبب مقنع سوى ان السعادة في مفهومه هو اخر الابواب الذي قد تجد له مفتاح في هذه الدنيا. كان هذا المفهوم حقيقة واقعة والشماعة المثلى للاعذار في حياته التي لا تلبث الا ان تزداد حزنا وكآبة يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة. لم تكن الليالي الحمراء ولا الحفلات الصاخبة مع الاصدقاء لتسعده، ولا رحلات الكاريبي ولا قرار التدين المفاجئ والتطوع للمشاركة في العمل الخيري بعد انتهاء عمله في مكتب المحاماة كفيل بحل هذه المعضلة. باختصار كان لديه كل مايلزم لحياة هنيئة ولكن ظلت المعادلة ناقصة، وبالنسبة له فان الامل يتضائل تدريجيا للعثور على ذلك العنصر المفقود لتحقيق المعادلة. رفض بشدة ان يكون اسمه مسجلا كأحد المراجعين للعيادات النفسية، فسمعته المهنية لا تتحمل ذلك ولا نظرة المجتمع التي ستصنفه في خانة المجانين اذا انكشف الامر، فالمجتمع الذي يعيش فيه صغير وذو ثقافة خاصة ومثال على ذلك هو خوفه من مراجعة العيادة النفسية ليقينه بان سر العلاقة بينه وبين الدكتور المعالج ليست بعشر اهمية الالتزام بدفع رسوم جلسات العلاج. عاد الى شقته وهو يشعر بضيق شديد وكأنما انحصر الكون في ذلك الطريق المؤدي اليها وما ان دخل حتى وضع حقيبته وسترته واتخذ قرار سريع وقاطع ان الاستحمام بالماء الدافئ قد يساعده على الاسترخاء..توجه فورا الى الحمام حاملا معه سيجارة واحدة كما يفعل دائما وكان يسميها سيجارة السلام. خلع ملابسه واقترب من المرآة، اخذ يحدق فيها بضع دقائق خلت الا من انفاسه الباردة.. يميل الى اليمين فتميل معه، والى اليسار نفس الشيئ.. يقترب منها فتقترب وتتسع حدقتا عينيه بشكل ملحوظ ...يبتعد عنها فتبتعد أيضا بذات المسافة القصيرة..لسبب ما بدا وكأنه يحاول التأكد من توافق حركة المرآة معه..، ثم سألها:ا
؟- من انت؟
ا- انا هو انت
ا- ومن انا؟
ا- انت هو انت
ا- ومن انا اليوم؟
ا- كما انت البارحة انما بمزيد من السواد حول عينيك وذقن اقل نعومة

ا- هل تعرفيني جيدا
ا- ليس بقدر معرفتك لنفسك
ا- ماذا تقصدين؟
ا- لااعلم عنك الا ماعلمتني عن نفسك
ا- يشعل سيجارته ويسأل ببرود : وما الذي علمتك اياه؟
ا- تجيبه بتردد: لا حاجة لذلك..فلا اعتقد ان كلامي سيعجبك ولن يضيف لك شيئا محببا..صدقني انه....ا
ا- مقاطعاً: فقط اجيبي
ا- حسنا، كما تشاء...اعلم انك تائه في هذه الدنيا فلا تعرف لماذا ولدت فيها ولماذا تعيش عليها وماذا تريد ان تصنع قبل ان تموت وهذا الامر هو اهم اسباب حزنك الوفي، اعلم انك لن تهنئ الليلة بالنوم لانك تحايلت على القانون وظلمت الابرياء لتجني المزيد من المال، اعلم انك سكنت الدور الارضي وتضيئ كل أرجاء البيت بمجرد غروب الشمس لانك تخشى المرتفعات وتخاف الظلام ولديك فوبيا المصاعد، اعلم انك مازلت اعزب حتى الان لانك رجل لعوب وتظن ان كل النساء على هذه الارض مجرد عاهرات...ا
ا- حسنا....هذا يكفى
ا- واعلم انك تشعر بالذنب احيانا لارتكاب المعاصي والذنوب ولكن تفعل ذلك في سبيل الوصول الى القمة وهذا جعل الامر أسوأ بالنسبة لك، اعلم انك تتعاطى المهدئات النفسية سراً بعد ان قمت بابحاث على الانترنت لتشخيص حالتك وقمت برشوة الصيدلاني لاعطائك الدواء الممنوع دون وصفة طبية
ا- يزيد من حدة وعلو صوته: كفى....كفى...اصمتي
ا- كما اعلم ايضا انك تريدني ان اصمت الآن كي لا اخبرك من انت...عذراً، لكني لا اجيد المجاملة مثل زملائك حين يقولون لك كم انت عبقري عندما تكسب قضية غير مشروعة تدر المزيد من الارباح على مكتب العمل، ولا كبنات الليل حين يخبرنك انك اكثر الرجال وسامة عندما تدعوهن الى الحفلات الباذخة على متن يخوت العملاء، ولا البواب حين يقول انك افضل سكان البناية عندما تغدق عليه بالبقشيش السخي، ولا اقربائك حين......1
ا- يصرخ مقاطعاً بغضب شديد وهو يطفئ سيجارته: اصمتى..عليك اللعنة
ا- سأصمت ...لكن بشرط ان تسحب لعنتك
ا- لن افعل ايتها الملعونة
ا- لست كذلك
ا- اصبتي في ذلك...فانت الشيطان بعينه
ا- انا حقيقتك التي لاترغب في ان تراها
ا- على الاطلاق...لست سوى شيطان يجب ان يموت في محيط الجدران الضيق ( يجري عاريا خارج الحمام ويعود مسرعا وفي يده مطرقة) وهو يصيح: يجب ان تموتي قبل ان تفسدي حياة احد اخر
ا- ترد بسخرية: يا لها من حياة رثة ان كنت افسدتها ببضع كلمات اظهرت لك الحقيقة دون مساحيق تجميل
ا- انها ليست الحقيقة...انها لعنات الشر
ا- سمها ماشئت ..انها الحقيقة ولا شيئ غيرها...حتى وان كانت لاتعجبك فانها حقيقتك
ا- يهجم على المرآة بهستيرية : عليك اللعنة...عليك اللعنة ، وقد تهشمت الى قطع صغيرة وجد نفسه في انعكاس كل قطعة صغيرة بابعاد مختلفة وغريبة
ا- فقالت له بصوت خافت يشبه مغادرة الروح للجسد: هذه هي حقيقتك، محطمة..،وكل جزء منها غريب عن الاخر

ا-ينتفض برعب ويكمل ما بدأه بتحطيم المرآة حتى انهى عمله بان اصبحت فتات بعضه في حوض غسل اليدين والاخر متناثر على ارضية الحمام...يرتعش وقدماه بالكاد تحمله والعرق يتصبب منه بغزارة..يرمي المطرقة على الارض ويجر اقدامه خارجا متجها الى غرفة النوم للاستلقاء على السرير...وما ان فتح باب غرفة النوم حتى وجد مرآة اخرى في مواجهته.........: اللعنة

_____________________________________________________

ثارات لأحمد مطر
.......

قطفـوا الزهرة.. قالت من ورائي برعم سوف يثور

قطعوا البرعم.. قال غيره ينبض في رحــم الجذور

قلعوا الجذر من التربة.. قال إنني من أجل هذا اليوم خبأت البذور

كامن ثأري بأعمـاق الثرى

وغداً سوف يرى كل الورى

كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور

تبــرد الشمس ولا تبــرد ثارات الزهـــور

1 comments:

حصونة said...

قطفوا الزهر و قلعوا البرعم و قطعوا الجزور ونسوا بان الريح تاتي بما لايشتهى من بذور

Blog Archive

Followers

Love and Peace

Love and Peace

choose your way

choose your way

Kuwait first

Kuwait first

Mowash7at

My Blog List